أخيراً حضرت الخصخصة، وأقر مجلس الوزراء تخصيص الأندية السعودية وتحويلها لشركات. أي أن أي نادي اليوم يمكن أن تتحو ملكيته لرجل أعمال أو شخص ثري. ولكن، ما الذي يدفع الأثرياء لشراء أندية كرة القدم؟ ولماذا يمكن أن نرى المستثمرين يتسابقون على شراء نادي معين؟
سؤال يتكرر كثيراً، وحاولت “ليندا يويه” الكاتبة الاقتصادية في BBC أن تجيب عليه في مقال قبل سنوات. وسننقل لكم هنا في خزينة الكرة وبتصرف أبرز وجهات النظر التي طرحتها مع إضفاء الصبغة السعودية على بعض الأمثلة إن أمكن.
في البداية تحدثت الكاتبة عن الإيرادات المتضاعفة التي باتت تجنيها أندية الدوري الإنجليزي منذ تكوين البريميرليغ في 1992. حتى أصبح المليون جنيه مبلغاً بسيطاً ولا يذكر. ولكن وعلى الرغم من المبالغ الضخمة من عوائد النقل والرعاية، إلا أن أندية الدوري الإنجليزي ما زالت تعاني لكي تسيطر على مصاريفها وتصل إلى نقطة التعادل.
وهذا الكلام ينطبق على أندية الدوري السعودي، فالقفزات في إيرادات الأندية السعودية في السنوات الماضية كبيرة، فعلى سبيل المثال عقد النقل التلفزيوني ارتفع من 9.9 مليون ريال سنوياً في موسم 2003-2004، وسيصل في العقد الحالي إلى 300 مليون ريال سنوياً بحلول موسم 2023-2024. والأمر ذاته ينطبق على رعاية الدوري، فقبل 2009 لم يكن هناك رعاية للدوري، وبعد ذلك ارتفعت رعاية مسمى الدوري لتصل اليوم إلى 100 مليون ريال سنوياً إضافة لرعايات مشاركة أخرى. حيث أصبح أقل نادي يضمن اليوم تحقيق ما لا يقل عن 10 مليون ريال من الإيرادات المركزية.
وبحسب آخر تقارير شركة ديلويت المحاسبية الشهيرة، فإن أندية البريميرليغ لم تتمكن من تحقيق أرباح مجتمعة سوى في آخر موسمين (2013-2014 وموسم 2014-2015)، وهذا يحدث لأول مرة في موسمين متتاليين، علماً أن هذه الأرباح لم يخصم منها صافي الإنفاق على انتقالات اللاعبين والفوائد والإهلاك. بصيغة أخرى، فإن أندية البريميرليغ في 10 سنوات حتى 2012-2013 سجلت صافي خسائر مقداره 2.5 مليار جنيه إسترليني، رغم استمرار ارتفاع إيراداتها سنة تلو أخرى.
المعلومات الموجزة أعلاه تناقض حقيقة أن جل أندية إنجلترا الكبرى تدار من قبل رجال أعمال ناجحين ويجنون الكثير من الأموال من خلال أعمالهم في مجالات تخصصاتهم، إضافة إلى اهتمام المستثمرين الأجانب بأندية إنجلترا بشكل كبير. 14 من أصل 20 نادي في البريميرليغ مملوك من قبل جهات وأفراد أجانب.
فهنا يعود السؤال مجدداً: ما الذي يدفع هؤلاء لشراء الأندية؟
القلب قبل العقل
هنا ضربت الكاتبة مثالاً: مايك آشلي، رئيس نيوكاسل يونايتد ومالك شركة سبورت دايركت الرياضية، هو لا يبدو أنه سيستعيد مجدداً مبلغ الـ200 مليون جنيه التي أقرضها لنيوكاسل، ولا يبدو مكترثاً لذلك، لأنه في نهاية الأمر “مشجع” للنادي.
مثال آخر يذكره المقال نقلاً عن ما قاله (سايمون جوردان) في مذكراته. جوردان هو رجل أعمال ثري جمع أمواله من ثورة الهواتف المحمولة حتى بلغت ثروته 75 مليون جنيه استرليني. في عام 2000 قرر شراء نادي كريستال بالاس اللندني، ودفع 10 ملايين جنيه من أجل ذلك وهو بعمر الـ32، كأصغر رئيس نادي.
ورغم نصائح العديد من حوله بعدم الإقدام على هذه الخطوة، ورغم أنه رجل أعمال ناجح إلا أنه قرر الاستمرار فيها لأنه متعلق منذ طفولته بهذا النادي ولم يستطع مقاومة رغباته. بعد 10 سنوات من هذه الخطوة، أصبح النادي تحت الحراسة القضائية، وفقد سايمون جوردان كثيراً من ثروته.
الكثير من الأثرياء، وإن كانوا رجال أعمال ناجحين إلا أنهم مشجعين للأندية التي يمتلكوها ويديروها، وهنا تدخل العاطفة لتقود العقل، بعكس العمل التجاري الذي يقود العقل فيه كل التحركات. فالرغبة بالنجاح في الكرة ثمنها غالي.
ترك بصمة
سيسأل السائل، ولكن المثال السابق لا يفسر تسابق الكثير من رؤوس الأموال الأجنبية لشراء الأندية في أوروبا دون أدنى ارتباط وجداني بهذه الأندية. فلماذا يحرصون على ذلك؟
أبرز أمثلة الأموال الأجنبية المتملكة للأندية الإنجليزية هما الروسي رومان إبراموفيتش، الذي تملك تشيلسي في 2003، وشطب أكثر من مليار جنيه دفعها للنادي خلال تلك السنوات. وكذلك الشيخ الإماراتي منصور بن زايد، والذي أنفق قرابة مليار جنيه منذ 2008. وفي جانب آخر هناك هيئة قطر للاستثمار والتي قامت بالاستحواذ على نادي باريس سان جيرمان وتدفعه ليكون أحد أكبر أندية أوروبا.
وبحسب أحدث التقارير، فإن 6 من الأندية العشرين الأعلى دخلاً في العالم يرتبطون بعقود رعاية رئيسية مع شركات طيران خليجية.
وترى الكاتبة أن الدول الثرية في الخليج مثل الإمارات وقطر، رغم صغر مساحتهما إلا أن لهما طموحات عالمية لا نهائية، وكرة القدم وسيلة لتحقيق الانتشار لاسم البلاد، وبالتأكيد في منافسة بعضهما البعض.
ويرى متابعون أن كرة القدم باتت وسيلة جيوسياسية، حيث تدعم الحكومات هؤلاء المستثمرين والصناديق الاستثمارية المستحوذة على أندية كرة القدم.
فمثلاً، دولة كقطر، هي بلد صغير مساحة، ولا يملك تاريخاً كروياً يذكر، ولكنه سيستضيف كأس العالم 2022، وتعتزم الدولة انفاق أموال ضخمة في سبيل تنظيم البطولة بشكل ناجح. وهي الدولة التي يتمتع مواطنوها بأعلى معدلات الدخل، وذلك من خلال مخزون الطاقة الموجود في البلاد، والتي تقع في منطقة متوترة سياسياً وأمنياً. وبالاستثمار في كرة القدم، تضع مثل هذه البلاد الصغيرة نفسها على الخارطة العالمية، مما يضيف نوعاً من الأمان لها.
وهذا يمكن أن نراه حالياً في التحركات الاستثمارية القوية من قبل أفراد ومجموعات وتحالفات صينية لتملك عدد من الأندية الأوروبية بدعم من الحكومة الصينية.
الأمر ذاته ينطبق على المستثمرين الأفراد، أنفق رومان ابراموفيتش الكثير من الأموال على نادي تشيلسي، لكنه بالمقابل أصبح صورة عالمية شهيرة معروف حول العالم. تجربة ابراموفيتش مقارنة بأثرياء روسيا توضح حقيقة هامة: لا يكفي أن تكون رجل أعمال ناجح لتكون مشهوراً، ولكن شراء نادي كرة قدم يجعلك معروفاً ويوصلك بالأشخاص المهمين حول العالم.
وإذا ما طبقنا هذه الفكرة على الواقع المحلي لدينا في المملكة، سنجد أن ساحة كرة القدم شهدت في السنوات الماضية دخول لعدد من الأثرياء الذين قدموا الدعم لناديهم دون أن ينتظروا مقابل مادي، إلا أنهم حصدوا شهرة انعكست عليهم من خلال الوصول لشريحة واسعة أو لمناصب متنفذة أو لتحقيق أهداف تجارية من خلال التعريف بأنفسهم عبر كرة القدم، لذا فمن غير المستبعد أن نرى المزيد من هؤلاء الأثرياء الذين سيكون تملكهم للنادي وسيلة للتعريف بهم وتحقيق أهداف ومصالح شخصية.
تحقيق الإيرادات وتخفيض المصاريف
بدون الدخول في تفاصيل القوائم المالية للأندية، إلا أن هناك أسباباً لا تجعل الأندية مؤسسات أو جهات مربحة. ذلك يحدث رغم أن أندية الدوري الإنجليزي كمثال تعتبر نموذجاً في ضخامة الإيرادات، من حقوق نقل تلفزيوني، عقود وشراكات تجارية، وحضور جماهيري.
عندما قامت عائلة الغليزرز بشراء نادي مانشستر يونايتد في 2006 كانت تدرك قيمة العلامة العالمية لمانشستر يونايتد والتي جعلته مصدراً لا ينضب من جلب الأموال، ويدركون كذلك ما يخبئه المستقبل من فرص لمضاعفة هذه الإيرادات. فقاموا بتحميل تكلفة شراء النادي للنادي نفسه! كيف؟ اقترضوا لشراء النادي، وبدأوا بسداد القرض وفوائده من خلال جزء كبير إيرادات النادي سنوياً، على أمل الوصول للحظة التي يسدد بها كامل القرض. حينها سيكون بين يدي ملاك النادي أصل يقدر بمليارات الجنيهات.
مثال آخر هو نادي ارسنال. النادي يملك احتياطي نقدي يقدر بـ191 مليون جنيه استرليني كأحد الحالات النادرة في عالم كرة القدم التي تعج فيها دفاتر الأندية بالديون. ماذا يعني امتلاك ارسنال لاحتياطي نقدي بهذه القيمة؟ هذا يعني أن الأمريكي ستان كرونكي الذي يملك حوالي 63٪ من النادي بمقدوره توزيع أرباح لنفسه من خلالها لو رغب. علماً أن عدد من الأندية تقوم بتوزيع أرباحاً سنوية لجيوب المستثمرين.
ولا يقتصر الربح من الأندية على مثال توزيع الأرباح، فقبل فترة أشيع أن تحالفاً شرق أوسطي مهتم بشراء النادي مقابل 1.5 مليار جنيه، في تلك الحالة كان كرونكي نفسه سيحقق مكاسب بحوالي 400 مليون جنيه على رأس المال المستثمر من قبله في النادي.
بالتالي يمكننا القول أن زيادة مداخيل النادي تزيد من قيمته، وهو الواقع الحالي في أندية الدوري الإنجليزي ونخب الأندية الأوروبية، ارتفعت مداخيلها من مختلف المصادر بسبب انتشار شعبية مسابقاتها حول العالم.
حسناً، كل هذا الارتفاع في المداخيل لا يرافقه ربحية ملحوظة في تلك الأندية فما هو السبب الرئيسي؟
السبب الرئيسي يكمن في ارتفاع أجور اللاعبين، الأجور باتت تنمو بشكل مهول، في الموسم الماضي شكلت الأجور 61٪ من إيرادات النادي. ومنذ انطلاق البريميرليغ الإنجليزي قبل 20 سنة، ذهب 80٪ من نمو الإيرادات إلى بند أجور اللاعبين، ومن هذا المنطلق يرى الخبراء أن القدرة على التحكم بأجور اللاعبين هو البوابة لتحقيق الأرباح للأندية.
وبالمختصر فإن شراء نادي بقيمة 50 مليون ريال، وإدارته بشكل جيد من خلال رفع إيراداته وخفض مصاريفه سترفع من قيمته، ما يجعله استثماراً طويل الأمد، يمكن لمالكه بيعه بعد سنوات بقيمة أعلى من الـ50 مليون التي قام بدفعها لشرائه.
مغامرة “يا تصيب يا تخيب”
الفوارق المالية بين أندية الدوري الممتاز والدرجة الأولى في إنجلترا على سبيل المثال كبيرة، وعقود النقل التلفزيوني مستمرة في توسيع الفوارق. المركز الأخير في البريميرليغ أصبح يضمن تحقيق قرابة 100 مليون جنيه من الجوائز المالية.
أما في الدرجة الأولى (الشامبيون شيب) فإن العوائد أضعف من هذه بكثير، وهو ما يتسبب بضغوط مالية كبيرة على الأندية المنافسة، حيث وصلت نسبة الأجور إلى الإيرادات إلى 90٪. لذا، فإن التأهل من الشامبيون شيب للبريميرليغ يشكل نقلة مالية هائلة للأندية، لذلك سميت مباراة التأهل الاقصائية بمباراة الـ170 مليون باوند، أو أغلى مباراة في العالم.
لهذا، فإن امتلاك نادي يلعب في الدرجة الأدنى، ومن ثم المساهمة في تأهله للدرجة الأعلى يشكل نقلة نوعية في الأرباح المالية، وهي “مقامرة تستحق المغامرة. إلا أن الوجه الآخر لهذه الجمالية قبيح، فالهبوط من الدرجة الممتازة للدرجة الأدنى كفيل بتحطيم الآمال المعقودة على النجاحات الاقتصادية للاستثمار في هذا النادي أو ذاك، وهو أمر ينطبق نوعاً ما (مع فارق الأرقام المالية) على أندية الدوري السعودي، حيث سيضطر الفريق الهابط للاستغناء عن أبرز نجومه وسيعاني من هبوط في الاهتمام الجماهيري والإعلامي وكذلك شغف اللاعبين والنادي ككل، مما يصعب في معظم الأحيان من عودة الفريق مباشرة للدوري الممتاز.
وهذه الحالة موجودة في مختلف دوريات أوروبا، فالأندية التي تحاول التأهل لدوري الأبطال ستضمن تحقيق عوائد ضخمة من خلال المشاركة فقط، دون النظر للمرحلة التي ستصل لها، علماً أن الوصول لمراحل أبعد يعني إيرادات أعلى.
التوسع
لم تصل أندية الدوري السعودي بعد لمرحلة النضج الاقتصادي، فالعديد من المصادر المالية ما زالت ضعيفة ولم تستغل، مثل الحضور الجماهيري والمنتجات والعضويات وكذلك عقود رعاية الأندية. وهذا يجعل المجال مفتوحاً وجذاباً للمستثمرين للدخول في هذا القطاع الذي يمكن أن يتفجر ذهباً. لذا، فمن الممكن أن نرى رجال أعمال يأتون لتحويل أندية متوسطة أو صغيرة ومتعثرة لأندية رابحة ثم يغادرون بمكاسب عالية.
أسباب أخرى؟
وفي الختام، ننقل لكم إجابة رئيس نادي ريدينغ الإنجليزي حول من يشتري أندية كرة القدم حيث قال “الملاك المناسبون هم أناس بجيوب عميقة، متقلبين، وقلوبهم قوية”. وأنت عزيزي القارئ، هل تعتقد أن هناك أسباب أخرى تدفع المستثمرين لشراء الأندية؟ شاركنا بها من خلال التعليقات أو شبكات التواصل الاجتماعي.
حب اللعبة وحب النادي وايضا الاستثمار الجذاب في انديتنا جميعها اسباب قوية تجعل من الاستثمار في الاندية يكون ناجحا سواء على المدى القصير او البعيد .