نادي بارما، النادي الإيطالي العريق الذي أنجب العديد من النجوم يغرق في مشاكل مالية لا نهاية لها. الأخبار تتوارد يومياً: لاعبون لم يستلموا رواتبهم، انتقال ملكية النادي، انتقال ملكية مجدداً! ديون ضخمة، خزينة خاوية، موعد لسداد الضرائب لا يتم الالتزام به، مصادرة ممتلكات، عدم قدرة على تشغيل الملعب، إلغاء مباراة، استبعاد من السيريا آ؟ أصبح المتابع يشفق على حال النادي ولا يدري ماذا يجري. وبالفعل من الصعب معرفة ما يدور في أروقة النادي والرابطة والاتحاد الإيطالي. ولكننا سنحاول هنا في خزينة الكرة جمع وسرد أبرز النقاط التي تتعلق بأزمة نادي بارما الراهنة.
في التسعينات، كان بارما أحد أبرز أندية إيطاليا وأوروبا. رغم أنه لم يحقق لقب الدوري الإيطالي إلا أنه توج بكأس أوروبا للأندية أبطال الكؤوس عام 1993، وكأس الاتحاد الأوروبي مرتين في 1995 و1999، كما حقق لقب كأس إيطاليا 3 مرات بين عامي 1992 و2002، وحل بارما في 1997 وصيفاً لبطل السيريا آ، حينها كان يقوده كارلو انشيلوتي. وأخرج النادي منذ تلك الأيام عدد من الأسماء البارزة مثل بوفون وتورام وكانافاروا وفيرون وكريسبو وغيرهم.
في 2007، قام رجل الأعمال توماسو غيرارني بشراء نادي بارما مقابل نحو 30 مليون يورو، وكانت حينها ديون النادي لا تتجاوز 18 مليون يورو. ولكن كان هناك نقطة أخرى مثيرة للاهتمام وهي أن عدد اللاعبين المدرجين في سجلات النادي كبير بل كبير جداً؛ نحو 240 لاعب مدرج في سجلات بارما معظمهم في إعارة لأندية أخرى، نسبة كبيرة منهم شبان في مقتبل العمر، ولكن القائمة تضم لاعبين في أواخر العشرينات كذلك، وهؤلاء في العادة رواتبهم ليست كالناشئين. القائمين على بارما يؤمنون بهذا التوجه وأنه هو المشروع المناسب للنادي ليبتعد عن منافسة عمالقة الكالتشيو في سوق الإنتقالات، دفع رواتب بسيطة للاعبين، ثم انتقالهم لأندية أخرى كإعارة، وعند نجاحهم إما يعودون للنادي أو يباعون بمكاسب مالية. ولكن الخلل كان في عدم وجود خطة وآلية واضحة لإنجاح هذا العمل. في عام 2013 قام الرئيس غيراردي باعتماد بقاء أو رحيل 240 لاعب من أصل أكثر من 300 لاعب في سجلات بارما.
بارما أنهى الموسم الماضي سادساً، وهو ترتيب يؤهله للمشاركة في بطولة الدوري الأوروبي. وفي ظل بعض الغموض عن التزامات النادي وديونه، جاء جرس الإنذار الأول من الاتحاد الأوروبي: عدم منح بارما رخصة المشاركة في النسخة الحالية من البطولة لوجود مشاكل مالية تتمثل في عدم سداد ضرائب تبلغ 300 ألف يورو. ثارت ثائرة الجماهير ولكن لم يجد جديد. وفجأة ظهر للسطح قضية لم تكن مكشوفة من قبل: اللاعبون يلعبون دون رواتب منذ أشهر، فانتقلت القضية من كونها (مالية-داخلية) لتصبح قضية رياضية ووطنية كبرى!
أحد لاعبي بارما قال أنهم ومنذ فترة طويلة أحسوا بالخطر، حين كانت رواتبهم تتأخر ولا تسلم إلا في آخر لحظة قبل تجاوز الزمن القانوني. إلا أنه ومنذ مطلع هذا الموسم تأخرت لأشهر عدة، حينها جاء الرئيس غيراردي وقال أن السبب في ذلك معروف، وهو مفاوضاتنا مع مستثمرين سيشترون النادي قريباً ويتحملون مصاريفه.
تراكمت الديون على النادي، رواتب وضرائب وفواتير مياه وكهرباء غير مدفوعة، منها 15 مليون واجبة السداد خلال أيام، النادي يفشل في الإيفاء بها في وقتها، الاتحاد الإيطالي يخصم نقطة من رصيد النادي في نوفمبر. إدارة النادي عللت ذلك بأنها كانت قريبة جداً من إتمام عملية بيع النادي، ولكن المشتري انسحب وتورط النادي.
اقرأ: بارما في 2014: خسائر 13.7 مليون يورو وبيع النادي
وبعد شد وجذب، قام غاريردي ببيع النادي لشركة نفط قبرصية-روسية، ولم يكشف عن قيمة الصفقة إلا أن ما تردد حينها كان يشير إلى 5-8 مليون يورو حصل عليها غيراردي. انتظر الناس أن تحل مشكلة التزامات النادي المتراكمة (رواتب وضرائب وديون)، إلا أن المفاجأة كانت في أنهم قاموا ببيع النادي مجدداً وهذه المرة لرجل الأعمال الإيطالي مانينتي مقابل يورو واحد فقط كما كشفت تقارير إعلامية في فبراير. التقارير أشارت إلى أنه دفع هذا المبلغ لتكتل الروس والقبارصة وهو نفس ما دفعوه للاستحواذ على النادي قبله مع تحمل مانينتي لديون النادي والتي تبلغ نحو 96 مليون يورو. مانينتي وعد بسداد رواتب اللاعبين عبر جذب استثمارات للنادي. هذا الوعد أدى إلى اتفاق لاعبي الفريق على تأجيل اتخاذ أي إجراء قانوني قد يضر بالفريق رغم عدم تسلم رواتبهم منذ بداية الموسم.
ولم يكن المستقبل مشرقاً كما كان يتمنى اللاعبون والمحبون. خزينة النادي باتت خاوية، لا يوجد في حساب النادي البنكي سوى 40 ألف يورو، مما يعني عدم مقدرته على دفع تكاليف تشغيل مباراته الدوري ضد أودينيزي (أمن ومنظمين). عدة اقتراحات طفت على السطح منها لعب المباراة دون جمهور لإسقاط أي تكاليف يتطلبها المنظمون، إلا أن القرار النهائي كان بتأجيل المباراة.
تلك الأيام شهدت توجه مصلحة الدخل والضرائب للنادي ومصادرة بعض أصوله لبيعها في المزاد وتسديد الضرائب. تمت مصادرة أصول النادي من سيارات ومعدات وأجهزة طبية وتدريبية وحتى مقاعد غرف الملابس لبيعها في مزاد وسداد المستحقات المتأخرة. ولكن معظم هذه القطع لم ينجح المزاد في بيعها. ما تم بيعه كان فقط باصين صغيرين يخصان فريق الناشئين وسيارة “فان” لمنسوبي النادي، وتم بيعهم بأقل من 20 ألف يورو. في مطلع فبراير تأجلت مباراة أخرى لبارما وهي مباراة جنوى في أرض الأخير، وهذه المرة بسبب رفض اللاعبين لعب المباراة.
الخطر الأكبر الذي يهدد بارما هو إعلان إفلاسه في جلسة يوم 19 مارس الجاري وهو ما سيترتب عليه إجراءات قانونية محتملة منها تهبيط الفريق لدرجات أقل أو تحويله لكيان جديد تحت تصنيف الأندية الهاوية واحتسابه خاسراً في جميع المباريات المتبقية 0-3.
سلسلة من الاجتماعات تم عقدها في الأيام الماضية من أطراف عدة للاتفاق على خطة إنقاذ للنادي العريق في حال تم إشهار إفلاسه في 19 مارس. اتحاد اللاعبين الإيطاليين التقى بلاعبي بارما لإقناعهم بلعب المباراة. وكذلك رئيس الاتحاد الإيطالي كارلو تافيكيو الذي سافر للالتقاء بلاعبي بارما ومحافظ بارما لطرح المقترحات المعقولة للعب مباراتي أتلانتا وساسولو اللتان تسبقان الاجتماع المنتظر. قناة سكاي سبورت طلبت من بارما لعب مبارياتهم في الدوري بعد أن ألغيت مباراتيهم الماضيتين. حيث أن القناة كانت قد دفعت للرابطة حصة بارما من النقل التلفزيوني مقدماً.
رابطة الدوري الإيطالي اجتمعت لتصوت على خطة إنقاذ بارما. الاتفاق ينص على أن يتم دعم بارما من صندوق الغرامات المدفوعة من قبل الأندية خلال الموسم حيث يتم تسليمها للجهة المسؤولة عن الإشراف على النادي في حال أعلن إفلاسه في 19 مارس، مجموع الغرامات تقريباً هو 5 مليون يورو، وفي المقابل يلعب لاعبو الفريق للمباراتين القادمة قبل اجتماع إشهار الإفلاس. نتيجة التصويت كانت موافقة 16 نادي، 3 امتنعوا عن التصويت (روما، نابولي، ساسولو)، ونادي واحد لم يوافق هو نادي تشيزينا.
نتيجة الاجتماع حملها رئيس الاتحاد الإيطالي للاعبين وشرحها لهم، وتم عمل تصويت بين اللاعبين، نتيجة تصويت اللاعبين حول قبولهم لعب اللقائين القادمين من عدمه كانت الموافقة على خوض المباراتين، وفي المقابل طالب اللاعبون بتغييرات في الأنظمة تضمن عدم تكرار مثل ذلك مستقبلاً. المنظمون كذلك وافقوا على التواجد والعمل في مباراة أتلانتا.
رئيس رابطة الدوري ماوريزيو بيريتا قال لن يكون هناك مشاكل بخصوص اللقائين القادمين، ولكن هناك جلسة مهمة يوم 19 مارس بخصوص إعلان الإفلاس، وإذا أعلن ذلك سنقرر كيفية تدخلنا. دورنا سيكون أخذ الأموال اللازمة من الصندوق الذي تجمع فيه أموال الغرامات التي نوقعها على الأندية، وبالعادة تستخدم هذه الأموال في مشاريع تكافلية.
دعم الأندية والرابطة لم يكن هو الوحيد، بل ساهمت الشركة الراعية لأطقم النادي “إيريا” بدعم النادي، إذ ذكر موقع توتوميركاتو أن الشركة ستقدم الأموال اللازمة للاعبين للعب مباراة أتلانتا في بارما وكذلك تكاليف السفر للعب مباراة ساسولو.
الأنظار ستتجه للقائي بارما القادمين، ولكن التركيز سيكون على ما سيؤول إليه 19 مارس المنتظر، ولكن الاستفادة الأكبر يجب أن تبادر بها الرابطة واتحاد الكرة والأندية. اكتشاف الخلل مبكراً وفرض القيود والضمانات اللازمة. فما حدث لبارما قد يحدث لأي طرف آخر في الدوري الإيطالي أو غيره إذا غاب النظام الرقابي الدقيق.